بحث حول امرؤ القيس أبو الشعر الجاهلي

– هو امرؤ القيس بن حجر بن عمرو بن الحارث الكندي.

– لقب امرؤ القيس بعدة ألقاب منها: حندجًا وعديًا ومليكة، كما لقب بأبا وهب وأبا زيد وأبا الحارث والملك الضليل وذو القروح.

يقال انه ولد في أوائل القرن السادس الميلادي.

– كان امرؤ القيس من قبيلة كندة، وهي قبيلة يمنية، هاجر كثير منها إلى الشمال، واستقروا جنوبي وادي الرمة، والذي يمتد من شمال المدينة وحتى العراق.

توفى عام 80 قبل الهجرة و565 ميلاديا.

– امرؤ القيس واحد من أشهر شعراء الجاهلية، كما قدم على غيره من الشعراء كالنابغة والأعشى والشعراء الصعاليك.

– كان أهل الكوفة يفضلون الأعشى، وأما أهل الحجاز ففضلوا زهيرًا والنابغة، وفضل أهل البصرة امرؤ القيس، إلا أنه حين سُئل الفرزدق من أشعر الناس؟ قال ذو القرح – وسُئل لبيد من أشعر الناس؟ فقال الملك الضليل.

– هناك ستة عشر شاعرا اسمهم امرؤ القيس، ولكن امرؤ القيس أبو الشعر الجاهلي هو كما ذكرنا امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد تداخلت أشعارهم بعض الشيء، وانتحل عنه الكثير من اشعاره.

نشأة امرئ القيس

– كان امرؤ القيس ملكًا ابن ملك، فكان أبوه سيد قبيلته.

– قيل ان أباه قام بطرده بسبب كثرة ذكره للنساء وميله إليهن، فقال ماذا أفعل به؟، فأشار إليه الناس أن يجعله في رعاية الإبل، حتى يتعب وينشغل عن التفكير فيهن، وتعددت حيل أبيه ليكفه عن قول الشعر في النساء، ولكنه فشل، فطرده في نهاية الأمر.

– وقيل ان أباه طرده لما قال في الشعر عن فاطمه بنت عمه وكان يحبها حبًا شديدًا، ولم يستطع أن يصل إليها، وكان قد أفرد لها معلقته المشهورة والتي قال في مطلعها:

قفا نبكِ بذكرى حبيبٍ ومنزلِ ::::: بسقط اللوى بين الدخول فحوْمِلِ

– ولما طرده أبوه، أصبح يسير في بادية العرب يطلب الصيد، وينتقل من مكان لمكان حتى يجد غدير ماء فيقيم حوله، فيصيد للناس ويذبح لهم، ويشرب الخمر ويسقيها لهم، ولا يزال كذلك حتى ينفذ ماء ذلك الغدير، فينتقل لغيره.

– ولما جاءه خبر مقتل أبيه على يد بني الأسد، كان جالسًا مع صاحبٍ له يشرب الخمر ويلعب النرد، فقال له الرسول خبر مقتل أبيه؛ فقال امرؤ القيس:

“الخمر والنساء علي حرام، حتى أقتل من بني أسد، وأجز نواصي مائة.”

  • ثم قال:

“ضيعني صغيرًا وحملني ثأره كبيرًا. لا صحو اليوم. ولا سكر غدًا. اليوم خمر. وغدا أمر.”

ثم شرب سبعًا من الخمر، ولما صحى عهد ألا يأكل لحمًا ولا يشرب خمرًا حتى يأخذ بثأر أبيه، وفرضت عليه عادة العرب أنه لابد من أخذ ثأر أبيه، واستراد ملك آبائه وملك كندة، قبيلته، فصار يطلب العون من القبائل والملوك للانتقام من بني الأسد، حتى أنه استعان بقيصر الروم، ولكنه مات دون تحقيق ذلك.

شعر امرئ القيس

– يعد امرؤ القيس أبًا للشعر الجاهلي.

– مر شعر امرؤ القيس بمرحلتين، وهما مرحلة ما قبل مقتل أبيه ومرحلة ما بعد مقتله؛ فأما قبل مقتل أبيه، فقد كانت موضوعاته في التشيب، والغزل القصصي الصريح، والابداع في وصف الطبيعة المتحركة وما فيها من خيل ووحش وفرس، والطبيعة الصامتة وما فيها من أمطار وسيول، والصيد وما فيه من متعة، وقد اشتمل شعر هذه المرحلة على المعلقة.

معلقة امرئ القيس

– تعد من أشهر ما قال امرؤ القيس ومن أشهر المعلقات لما ابتدع فيها من أغراض شعرية جديدة.

– بها جزءًا خاصًا بوصف المطر والسيول، وقد اشتهر امرؤ القيس بين الرواة بجمال وصف المطر، مما يؤكد نسبتها إلى امرؤ القيس.

– يقول بمطلعها:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ ::::: بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَل

فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ ::::: لما نسجتْها من جَنُوب وَشَمْأَلِ

واعتبر العرب هذا البيت من أحلى ما قيل في الشعر العربي، اذ وقف عند بيت الحبيبة، وبكى وأبكى من معه.

– ثم ذكر كيف أن أصحابه أرادوا أن يرحلوا وهو غارق في ذكرياته، وبكائه، ثم انتقل إلى ذكر مغامراته مع النساء، وكأنه يريد أن يثير غيرة صديقته فاطمة، فيذكر مغامراته اللاهية ومن كن يتدللن عليه، وما كان ينال منهن، ولا يذكر من أحبهن وبكى عليهن كأم الحويرث وأم الرباب، فيقول:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعًا ::::: فألهيتها عن ذي تمائم مغيل

– ثم يعاتب فاطمة فيقول:

أفـاطِــمَ مَــهْــلاً بَـعْــضَ هَــذَا التَّـدَلُّلِ ::::: وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِ

وَإنْ تــكُ قــد ســاءتــكِ مــني خَليقَـةٌ ::::: فـسُـلّـي ثـيـابـي مـن ثـيـابِـكِ تَـنْـسُــلِ

أغَـــرَّكِ مِــنِّـي أنَّ حُــبَّــكِ قَـــاتِــلِــي ::::: وأنَّـكِ مَـهْـمَـا تَـأْمُـرِي الـقَـلْبَ يَفْعَـلِ؟

وأنك قسمت الفؤاد , فنصفه ::::: قتيل ونصف بالحديد مكبل ِ

وَمَـا ذَرَفَـتْ عَـيْـنَـاكِ إلاَّ لِـتَـضْـرِبِــي ::::: بِـسَـهْـمَـيْـكِ فِـي أعْـشَـارِ قَـلْـبٍ مُـقَتَّلِ

– ثم يعود لاثارة غيرة فاطمة فيقول:

وبَــيْـضَـةِ خِــدْرٍ لاَ يُــرَامُ خِــبَـاؤُهَــا ::::: تَـمَـتَّـعْـتُ مِـنْ لَـهْـوٍ بِـهَـا غَـيْرَ مُعْجَلِ

تَـجَـاوَزْتُ أحْـرَاسـاً إِلَـيْـهَـا وَمَـعْشَراً ::::: عَـلَّـي حِـرَاصـاً لَـوْ يُـسِـرُّوْنَ مَـقْـتَـلِي

– وانطلق امرؤ القيس في معلقته يحكي عن مغامراته الغرامية، عن طريق الغزل الفاحش الصريح والذي ابتدعه ثم قلده الكثير من بعده، إلا أنهم لم يصلوا إلى هذه الجرأة فيه.

– ويقول في معلقته عن وصف الليل:

ولَـيْـلٍ كَـمَـوْجِ الـبَـحْـرِ أَرْخَـى سُـدُوْلَــهُ ::::: عَــلَـيَّ بِـأَنْـوَاعِ الـهُــمُــوْمِ لِــيَــبْــتَــلِـي

فَــقُــلْــتُ لَـهُ لَـمَّـا تَـمَــطَّــى بِـصُــلْــبِـهِ ::::: وأَرْدَفَ أَعْــجَــازاً وَنَـــاءَ بِــكَــلْـــكَــلِ

ألاَ أَيُّـهَـا الـلَّـيْـلُ الـطَّـوِيْــلُ ألاَ انْـجَـلِــي ::::: بِـصُـبْـحٍ، وَمَــا الإصْـبَـاحُ مـنِـكَ بِأَمْثَلِ

فَــيَــا لَــكَ مَــنْ لَــيْــلٍ كَــأنَّ نُــجُــومَــهُ ::::: بــكــل مُــغــار الـفــتـل شُــدّت بـيـذبل

– ويقول أيضا في وصف البرق

أحــارِ تَــرَى بَــرْقــاً أُرِيْــكَ وَمِـيْـضَــهُ ::::: كَـلَــمْــعِ الــيَــدَيْــنِ فِــي حَــبِــيٍّ مُـكَـلَّلِ

يُــضِــيءُ سَــنَــاهُ أَوْ مَــصَــابِيْحُ رَاهِبٍ ::::: أَمــان الــسَّــلِــيْــطَ بالـذُّبَـالِ المُفَتَّلِ

– ثم بعد مقتل أبيه، بدأت تختفي ملامح اللهو من أشعاره، وانقلبت حياته من فراغ وعبث، إلى حياة جادة ومحاولات لأخذ ثأر أبيه، كما قتل أيضًا اعمامه بنفس المصير، ومن قبلهم جده الحارث، فساد في أشعاره الحزن والألم العميق، فبدأ يشكو الدهر والحياة، كما نجد في هذه الأبيات حين قال:

أرانا موضعين لأمر غيب ::::: وَنُسْحَرُ بالطَّعامِ، وَبالشَّرابِ
عَصافيرٌ، وَذُبَّانٌ، وَدودٌ ::::: وأجْرأُ مِنْ مُجَلِّحَة ِ الذِّئابِ
فبعضَ اللوم عاذلتي فإني ::::: ستكفيني التجاربُ وانتسابي
إلى عرقِ الثرى وشجت عروقي ::::: وهذا الموت يسلبني شبابي
ونفسي،، سَوفَ يَسْلُبُها، وجِرْمي ::::: فيلحِقني وشيكا بالتراب
ألم أنض المطي بكلِّ خرق ::::: أمَقَ الطُّولِ، لمَّاعِ السَّرابِ
وأركبُ في اللهام المجر حتى ::::: أنالَ مآكِلَ القُحَمِ الرِّغابِ
وكُلُّ مَكارِمِ الأخْلاقِ صارَتْ ::::: إلَيْهِ هِمَّتي، وَبِهِ اكتِسابي
وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتى ::::: رضيتُ من الغنيمة بالإياب
أبعد الحارث الملكِ ابن عمرو ::::: وَبَعْدَ الخيرِ حُجْرٍ، ذي القِبابِ
أرجي من صروفِ الدهر ليناً ::::: ولم تغفل عن الصم الهضاب
وأعلَمُ أنِّني، عَمّا قَريبٍ ::::: سأنشبُ في شبا ظفر وناب
كما لاقى أبي حجرٌ وجدّي ::::: ولا أنسي قتيلاً بالكلاب

– وتأتي مكانة امرؤ القيس في أنه نهج للشعراء من بعده الحديث في بكاء الديار والغزل القصصي، ووصف الليل والخيل والمطر والسيول والشكوى من الدهر، ووضع لها النسق النهائي، مضفيًا عليها المهارة الفنية، والاتساق الشعري، مما جعل السابقين من العرب والشعراء يقدموه عليهم.

فيقول ابن سلام عليه

” سبق امرؤ القيس إلى أشياء ابتدعها، استحسنها العرب واتبعه فيها الشعراء، منها: استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المآخذ، وشبه النساء بالظباء والبيض وشبه الخيل بالعقبان والعصى، وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب، وبين المعنى، وكان أحسن طبقته تشبيهًا”

المصادر

تاريخ الأدب العربي/ دكتور شوقي ضيف/بتصرف

المعلقات العشر وأخبار شعرائها/ الشيخ أحمد الأمين الشنقيطي/ بتصرف

Web Media
Web Media
تعليقات