أدب
الشعراء الصعاليك فرسان نبلاء أم قطاع طرق
فهرس البحث
عرف عن الشعر ازدهاره في فترات الترف والرفاهية من حياة الشعوب، لنجد أن أعظم الشعراء كانوا نتاج مرحلة متقدمة لحضارة ما، سمحت لهم بالنمو والحرية والتعبير في بيئة خصبة تطلق المواهب والقدرات، لتعبر عن هذا العصر وعن ثقافته، في أطرٍ فنية متنوعة، إلا أن شعر الصعاليك قد كسر هذه القاعدة.
فهذا الشعر هو لمجموعة من المتمردين والفقراء؛ عاشت على حافة النظام القبلي في العصر الجاهلي، في مرحلة مضطربة منها، تمردوا على نظام قبيلتهم، بل خلقوا نِظامًا جديدا تصادم معها، عانوا من الفقر والجوع، ومع ذلك أنتجوا نوعًا من نوادر الشعر والطرائف التي لم تعرف إلا عنهم. ورغم إبداعهم في الشعر إلا أن لا أحد منهم لم تصنف قصيدة من قصائده من المعلقات.
من هم الصعاليك؟
الصعلوك لغويًا هو الفقير الذي لا يملك مقومات الحياة من مال أو سكن أو قوت يوم، وفي الجاهلية اشتمل لفظ صعلوك على المتسكعين وقطاع الطرق.
انتشر الصعاليك على حواف الصحراء، مقتربين قليلًا من المناطق الخصبة فيها، كالطائف والمدينة وأطراف اليمن الشمالية، وكانوا يغيرون على القوافل التجارية وقوافل الحجاج الذاهبة إلى مكة، وعلى البقاع الغنية في اليمن ويثرب ومكة.
لماذا أصبحوا صعاليكًا؟
– يعتبر الفارق الاجتماعي عنصرا مهمًا في ظهور الصعاليك، فوجود الغنى الفاحش لطبقات معينة مقابل الموت فقرًا لطبقات أخرى، جعل الصعاليك يظهرون للبحث عن الغنى حتى وان كان بطرق غير مشروعة.
حتى قال أحدهم:
وإني لأسْتَحْيِي لنَفْسيَ أنْ أُرى :::: أمُرُّ بحبْلٍ ليسَ فيه بعيرُ
وأنْ أسْألَ العبْدَ اللَّئيمَ بَعيرَه :::: وبُعْرانُ ربِّي في البلادِ كثيرُ
– كذلك فإن منهم من أراد التمرد على نظم القبيلة المليئة بالظلم واستضعاف الفقير، والضغينة المنتشرة بينهم فآثروا الانفصال عن قبيلتهم والانتقال إلى الصحراء، حتى قال عن ذلك أحد الصعاليك ويدعى الشنفرى :
وفي الأرضِ منأًى لِلْكَريمِ عن الأذَى :::: وفيها لمنْ خاف القِلى مُتَعزَّلُ
لعَمْركَ ما بالأرضِ ضِيقٌ على امْرئٍ :::: سَرى راغِبًا أو راهِبًا وهْو يَعْقِلُ
ولي دُونَكُم أهلونَ: ذئب عَمَلَّس :::: وأرْقَطُ زُهْلُولٌ وعَرْفاءُ جَيْئَلُ
هم الأهلُ، لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذائِعٌ :::: لديهم، ولا الجاني بما جَرَّ يُخْذَلُ
– وكان منهم في العصر الجاهلي بعض من أبناء الحبشيات السود والذين نبذهم آبائهم لعار ولادتهم.
-ومنهم مجموعة محترفة لعمليات السلب والنهب، ومجموعة أخرى من الذين نبذتهم قبيلتهم لكثرة مشاكلهم، وتصادمهم معها.
شعر الصعاليك
– تميز شعر هذه الفئة بطابع الفقر والجوع، وكراهيتهم للأغنياء والبخلاء، تميزوا بالصبر والشجاعة، وسرعة العدو، حتى ضربت بهم الأمثال في سرعة العدو فيقال مثلًا ” أن هذا الرجل أعدى من الشنفرى “، ساعدهم ذلك على سرعة التقاط الفرائس كالظباء وغيرها، كما تميزوا بالفروسية، وبحسن ركوب الخيل.
– تغنى الصعاليك في قصائدهم بمغامراتهم في الصحراء، ونجدهم رغم ذلك قد تحلو بالكرم والبر بالأهل، وتغنوا به أيضًأ في قصائدهم، وكان لديهم صفات من الكرامة والصبر على الجوع، فيقول أبو خراش الهذلي :
وإني لأثوي الجوع حتى يملني :::: فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهي :::: إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ::::: وأوثر غيري من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة :::: وللموت خير من حياة على رغم
وجود فئتين من الصعاليك
ونجد فئتين من الصعاليك في العصر الجاهلي
أما الفئة الأولي فهي التي تميزت بالبر والمثالية ومساعدة غيرهم من الفقراء، حتى لو اضطروا للسلب والنهب فكانوا لا يغيرون إلا على غني جشع، وكانوا يتركون الغني الكريم، مثل عروة بن الورد.
وأما الفئة الثانية فقد احترفت السلب والنهب والقتل، وكانوا سفاحين لا يراعون عهدًا ولا ذمة، مثل تأبط شرًا، والشنفرى .
نبذة عن بعض الشعراء الصعاليك
تأبط شرا
– من قبيلة فهم، واسمه ثابت بن جابر بن سفيان.
– لقب بلقب تأبط شرًأ، حين قالت أمه أنها رأته قد تأبط شرًا وخرج، وتقصد بأنه قد تأبط سيفًا، أي حمل سيفه وخرج، في دلالة لأنه ينوي شرًا بخروجه، وقيل أن قبيلته لقبته بذلك لكثرة أفعاله الشريرة.
– مات أبوه وهو في عمر صغير، فتزوجت أمه صعلوكًا كبيرًا يسمى أبي كبير الهذلي، فسلك مسلكه.
– كان يرافق الشنفرى في غاراته ومعهم صديقهما عمرو بن براق.
– ليس له ديوان خاص، بل له أشعار متفرقة، وكذلك مغامرات كثيرة، اتسمت بالطابع القصصي.
– يصف في أشعاره مغامراته مع الشنفري وعمرو بن براق، فيصف سرعة عدوه الشديدة قائلًا:
لا شيء أسرع مني ليس ذا عذر :::: وذا جناح بجنب الريد خفاق
الشنفرى
– أما الشنفرى وهو من قبيلة الأواس، قحطاني النسب.
– له ديوان شعر صغير نشر بمجموعة الطرائف الأدبية، كما اشتهر له لامية العرب، وكذلك قصيدته التائية؛ والتي وضحت الكثير عن حياته ومغامراته.
– قيل أن تأبط شرًأ هو من حرضه على الصعلكة، حتى قام بقتل 99 رجلًا، وقتل في النهاية في احدى غاراته، قتلة شنيعة. وسنتحدث عنه بالتفصيل في مقال خاص.
– ومن مطلع قصيدته اللامية يقول:
أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ ::::: فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ :::: وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ
عروة بن الورد : عروة الصعاليك
– هو ثالث أشهر الصعاليك، وأما هو فقد اتخذ الصعلكة وسيلة لإظهار مروءته وبابًا من أبواب التعاون الاجتماعي ومساعدة الفقراء والضعفاء، ولذلك سُمِّيّ”عروة الصعاليك” لمسئوليته عنهم وقيامه بأمرهم إذا فشلوا في غزواتهم أو ضاقت بهم الحياة.
– فكان عروة لا يغير رغبة في السلب والنهب، وإنما ليعين المستضعفين، حتى أنه كان لا يغير على كريم يبذل ماله للناس.
حتى قال في أحد أشعاره:
ذريني للغِنى أسْعَى فإنِّي :::: رأيتُ الناسَ شَرُّهمُ الفقيرُ
وأبعدهم وأهْونهم عليهم :::: وإن أمْسى له حَسَبٌ وفيرُ
يُباعِدُه القريبُ، وتَزْدَرِيه :::: حَلِيلتُه، ويَقْهرُه الصغيرُ
ويلقى ذو الغِنى وله جَلالٌ :::: يكادُ فؤادُ لاقيهِ يطيرُ
قليلٌ ذَنْبُه، والذَّنْبُ جَمٌّ :::: ولكن للغِنى ربٌّ غفورُ
– قيل عن عروة بن الورد:
– ” وفي خبر آخر أن عبسًأ كانت إذا أجدبت أتـى ناس منها ممن أصابهم جوع شديد وبؤس، وجلسوا أمام بيت عروة، حتى إذا ابصروا به صرخوا، وقالوا أيا أبا الصعاليك أغثنا، فكان يرق لهم ويخرج بهم فيصيب معاشهم.”
كما قال فيه عبد الملك بن مروان:
” من زعم أن حاتمًا أسمح الناس، فقد ظلم عروة بن الورد.”
استطاع الصعاليك أن يتركوا أثرهم الفريد في تاريخ الشعر الجاهلي، رغم ما قيل عنهم ورغم اختلاف أهدافهم، وتذبذب قيمهم، فتارة يلجئون للسلب وقطع الطريق، وتارة أخرى يدافعون عن الضعيف، منهم من يقتل، ومنهم من ينقذ حياة، تذبذبٌ واضح في أسلوب حياتهم، وحياة مختلفة قد عاشوها، وأنكرها عليهم الكثيرين، ولكن تراثهم الشعري والأدبي لا ينكر أن هذه الفئة استطاعت أن تضع بصمتها على مرحلة هامة في حياة العرب وبأسلوب لا يمكن إغفاله.
المصادر : كتاب تاريخ الأدب العربي/العصر الجاهلي > الكاتب شوقي ضيف/بتصرف