بحث حول الهجرة إلى الحبشة

لم يكن طريق الدعوة الإسلامية سهلًا ومفروشًا بالورود كما يتصور البعض، فحتى يصل الإسلام إلى ما وصل إليه الآن وحتى دخول ملايير البشر فيه إلى وقتنا هذا، حيث تتزايد الأعداد دومًا، كان لابد من التمهيد لذلك منذ البداية والسعي وراء نشره والدفاع عنه بكافة الطرق، والهجرة إلى الحبشة كان لها دور كبير في ذلك.

فلم يخلق الله سبحانه وتعالى الأنبياء للاستقرار في أماكنهم والراحة المطلقة بل كتب عليهم الهجرة وعلى المسلمين بصفة عامة الحاملين لرسالة الله والراغبين في نشرها، فالكثير من أنبياء الله قد قاموا بالهجرة والتنقل بين البلاد والمناطق.

والدافع وراء هجرات الأنبياء على مر العصور منذ بداية الخليقة وحتى الوصول إلى خاتم الأنبياء والمرسلين كانت إمًا هربًا من الأذى من جهة، ومن ناحية أخرى للدعوة ونشر الإسلام، فلم يكن للإسلام أن ينتشر ولا للفتوحات الإسلامية أن تحدث دون الهجرة والتنقل بين المناطق.

ومع بداية نبوءة الرسول ص بدأ في نشر الدعوة سرًا في مكة المكرمة فكان يدعو المقربين إليه في البداية إلى أن بدأ الأمر في الانتشار وهو ما لم يكن شيئا سهلا على قريش تقبله، خاصةً وأنهم طوال حياتهم وحياة أبائهم وأجدادهم لم يعرفوا سوى عبادة الأصنام والأوثان.

وفي وقت ما أدرك النبي ضرورة الهجرة إلى الحبشة لأسباب عديدة سوف نوضحها خلال بحثنا هذا مع توضيح كيف تم الترتيب إلى الهجرة والأسباب التي دفعت رسول الله لاختيار الحبشة بالتحديد دون غيرها.

أسباب الهجرة إلى الحبشة

  • فور انتشار الدين الإسلامي في مكة المكرمة وتزايد أعداد المسلمين أحس كفار قريش بالخطر وهو ما جعلهم يحابون هذا الدين بشتى الطرق.
  • إلحاق الأذى بجميع من دخلوا في الإسلام بشتى الطرق من تعذيب واضطهاد ومنع عن ممارسة العبادات والشعائر الدينية الخاصة بهم.
  • لم يكن الأمر قاصرًا على منع المسلمين من إقامة العبادات ولا الطواف حول الكعبة فقط بل امتد لأن وصل إلى حملات إبادة وتصفية جسدية وقتل الأهل.
  • رغبة الرسول ص في توفير بيئة آمنة للمسلمين لممارسة العقيدة والتقرب إلى الله والتفقه في الدين بزيادة وهو ما أصبح يستحيل حدوثه في مكة المكرمة.
  • رغبة الرسول ص في حماية المسلمين الجدد من الخوف والتأثر بهجمات قريش الشرسة وهو ما قد يزعزع البعض ويصدهم عن الدخول في الإسلام خوفًا من التعرض لأذى الكفار، وهو ما يضر بنشر الدعوة.

 سبب اختيار الحبشة بالتحديد لهجرة المسلمين إليها

  • اتصاف ملك الحبشة النجاشي وقتها بالعدل وعدم ظلم أحد في حكمه جعلها الخيار الأول عند رسول الله للهجرة، فالمسلمين بحاجة إلى الاستقرار في مكان لا يتعرضون فيه لأي إساءة ولا نبذ.
  • رؤية الرسول ص الثاقبة بمدى تعاطف وود أهل الحبشة مع المسلمين المضطهدين من أهل مكة حيث أنهم من أهل الكتاب وهو ما يجعل المسلمين يشعرون بألفة تجاههم.
  • لا تتبع دول الحبشة لأي دولة أخرى ولا يمكن لأحد السيطرة عليها فهي دولة مستقلة ذاتيًا وإداريًا كما أنها قوية من الناحية الاقتصادية وهو ما يضمن عدم تدخل قريش في حالة هجرة المسلمين إليها ولا المساس بهم.
  • بعُد الحبشة عن مكة المكرمة يجعل المسلمين المهاجرين في أمان أكبر ويصعب الأمر على كفار قريش في حالة التفكير في اللحاق بهم أو تعريضهم لأي أذى.

تنظيم الهجرة إلى الحبشة

الهجرة إلى الحبشة كانت على مرتين فهناك الهجرة الأولى والتي هاجر من خلالها أحد عشر رجلًا وأربعة نسوة، كان من ضمنهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود.

وفور أن استقر المسلمون في الحبشة وصل إليهم خبر إسلام أهل مكة وهو ما دفعهم في التفكير في الرجوع إلى هناك مرة أخرى، وما إن وصلوا حتى علموا بعدم صدق إسلام أهل مكة وأمرهم الرسول ص بالعودة إلى الحبشة من جديد.

وهنا كانت الهجرة إلى الحبشة الثانية والتي خرج بها 83 رجلًا و19 امرأة، إلا أنهم لم يخرجوا بشكل جماعي بل قاموا بالتفرقة لضمان سلامتهم وعدم تعرض كفار قريش لهم بأي أذى، فخرجت مجموعة مع جعفر بن أبي طالب، ومجموعة أخرى مع أبي موسى الأشعري.

وتم الاستقرار في الحبشة إلى أن جاء موعد هجرة الرسول ص ومن معه في مكة إلى المدينة المنورة، وحينها توجه المسلمون الذين في الحبشة إلى المدينة المنورة.

Web Media
Web Media
تعليقات