تاريخ
بحث حول معركة عين جالوت التي هزم فيها المسلمون المغول
معركة عين جالوت أعلنت انتهاء الامبراطورية المغولية
تعتبر معركة عين جالوت من أكبر المعارك بالتاريخ نظرًا لما نتج عنها من القضاء على المغول الذين كانوا يعيثون فسادًا بالمشرق الإسلامي، فبعد سقوط بغداد، والحروب ضد الخوارزميين، والزحف نحو بلاد الشام، من ثم أتى دور مصر وكان ذلك ضمن الخطة التي وضعها الزعيم منكوقاآن والتي أمر هولاكو بنهجها.
ظروف معركة عين جالوت
رسالة هولاكو إلى قطز
قام هولاكو بإرسال رسالة إلى سلطان مصر يقول فيها:
“مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم؛ فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهًا ولا عزًا ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم”.
ولما أتى رسل هولاكو بالرسالة إلى المظفر قطز، قام قطز بجمع كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام، ثم قال قطز جملته الشهيرة:
” انا ألقى التتار بنفسي، يا أمراء المسلمين؛ لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجّه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مُطَّلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخّرين عن القتال.”
كما وقف قطز بينهم قائلًا وهو يبكي: “يا أمراء المسلمين؛ من للإسلام إن لم نكن نحن.”
وبعد مشاورات عديدة وكثيرة جدًا بين المظفر سيف الدين قطز والأمراء ورجال العلم والدين وكبار أعيان البلاد، قرر قطز اتخاذ القرار بمحاربة المغول وتجهيز الجيوش وحث الناس على الجهاد، فقام المظفر قطز باستقبال رسل هولاكو وبالتشاور مع الظاهر بيبرس قاموا بعقد النية على قتلهم وتعليق رؤوسهم على باب زويلة.
واستمر قطز بعقد الاجتماعات لحث الناس على قتال المغول مذكرًا إياهم بما فعلوا في بغداد والأقاليم الإسلامية جمعاء خاصة بغداد وبلاد الشام، ودعاهم إلى نصرة الله والرسول، وذكرهم بعقوبة ترك الجهاد، فبايعه الناس على القتال والدفاع عن البلاد.
أحداث معركة عين جالوت
معركة غزة
تحرك جزء من الجيش المصري بقيادة الظاهر بيبرس والذي كان على مقدمة الجيش، وسار بالجيش حتى نزل بمدينة غزة في غرة شعبان عام 658 هـ / 1260 م، والتقى بمجموعة من المغول، وألحق بهم هزيمة نكراء، لم يستطيعوا فيها الصمود أمام المسلمين، وفرض بيبرس سيطرته على غزة.
ويذكر أنه بعد معركة غزة؛ قام الصليبيون والذين كانت لهم أيد داخل بلاد الشام بعرض المساعدة على المسلمين والسماح لهم بعبور أراضيهم داخل فلسطين، إلا أن المظفر قطز والظاهر بيبرس رفضا قبول المساعدة، وهذا يدل على عظم التفكير العسكري والحربي والإخلاص للدين والوطن، حيث كان يدور تفكير قطز حول القضاء على المغول ثم الصليبين ببلاد الشام، لذا فلم يرد أن يكون لهم منةً على جيش المسلمين.
لقاء الجيشين بعين جالوت
شحذ قطز قوته وقاد الجيش صوب عكا ثم الناصرة وصولًا إلى عين جالوت (التي سميت المعركة على اسمها)، وكان القائد بيبرس قد سبقه لاستطلاع أخبار العدو، حتى وصل قطز بالجيش الرئيسي وانضم إليه جيش بيبرس وبدأت المعركة بعين جالوت في 25 رمضان 658 هـ/ سبتمبر 1260 م.
دارت المعركة في حماسٍ شديد من قبل قواد المماليك حتى كان يصيح قطز “واسلاماه” فيتقدم المسلمون على المغول ويصيبوا منهم القتلى والأسرى، حتى لقى قائدهم “كتبغا” مصرعه على يد أحد الأمراء المسلمين، ومن بعدها انهارت قوى المغول تمامًا، ويذكر أن عدد مقاتلي الجيش المصري كان 20 ألف مقاتل.
تراجع المغول وبدؤوا في الهروب ناحية الجبال، وتبعهم المسلمون يقتلون منهم ما استطاعوا ويأسرون الباقي حتى قرب بيسان، وكان المغول يحشدون أنفسهم ويلملمون جراحهم ثم يعودون لمواجهة المسلمين مرة أخرى، وكان المسلمين بقيادة قطز وبيبرس على أتم الاستعداد لمواجهتهم مرة وراء أخرى.
خطة معركة عين جالوت
ويعتبر سر نجاح الخطة العسكرية التي وضعها قطز كانت في عدم الدفع بكل القوات مرة واحدة، وفي الكمين الذي قاموا بتطويق ومحاصرة قوات المغول داخله، فقد قامت مقدمة بيبرس بالتظاهر بالهزيمة والتراجع والانسحاب إلى داخل الكمين لتقوم قوات المغول بتتبع المقدمة؛ ومن ثم ينطلق الجيش بقيادة قطز ليطوق المغول ويحاصرهم ويلقنهم الهزيمة.
نتائج معركة عين جالوت
– وقف الزحف المغولي نحو بلاد المسلمين، وتقهقر المغول وتمت هزيمتهم للمرة الأولى في تاريخهم، فمن بعدها لم يعد لهم من القوة والجبروت ما يستحق الذكر.
– اثبات المماليك لأنفسهم وتعزيز قوتهم في مصر.
– ضم بلاد الشام ومصر معًا تحت مظلة حكم واحدة وهي حكم المماليك.
المصادر
- جهاد المماليك ضد المغول والصليبين
- المغول بين الانتشار والإنكسار/ على الصلابي