فهرس البحث
سقوط بغداد على يد المغول : بعد وفاة جنكيز خان عام 624 هـ ، 1227 م، لم يتوقف الزحف المغولي عند هذا الحد، فقد استمر المغول تحت زعامة منكوقاآن ” زعيم المغول بعد جنكيز خان ” بوضع الخطط الحربية لاجتياج العالم، وعهد منكوقاآن إلى هولاكو بقيادة الجيش المغولي، كما عهد إليه بالسعي نحو اجتياح البلدان الإسلامية من العراق وحتى مصر، فأصبح بذلك الإستيلاء على بلاد المشرق العربي والإسلامي هدفًا جديدًا لدى السلطة المغولية، فقد وضع هولاكو خطة حربية للقضاء على الإسماعيلية أولًا ثم الوصول إلى العراق وبلاد الشام ثم مصر.
أحوال الخلافة العباسية قبل مواجهة الخطر المغولي
لقد كانت الأوضاع سيئة جدا في ذلك الوقت، ولم يكن العباسيين على استعداد جيد لمواجهة الخطر المغولي، ولم يكونوا مقدرين حجم ذلك الخطر الشديد، فلم يهتموا بأمور الحكم، كما انتشرت الانقسامات الدينية والمذهبية وقد طالت تلك الانقسامات السلطة الحاكمة فقد كان مجاهد الدين أيبك سني المذهب، وكان مؤيد الدين بن العقلمي وزير الخليفة المستعصم شيعي المذهب، كما انتشرت الانقسامات بين سكان المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.
ملابسات سقوط بغداد على أيدي المغول
قام الوزير مؤيد الدين بن العلقمي بمراسلة المغول وحثهم على السيطرة على بغداد، ولم يكن هذا سببًا حقيقيًا لأن يقوم المغول بغزو الخلافة العباسية، فقد كان ذلك ضمن خطتهم بالفعل، ولكن ساعدهم ذلك على تحقيق مرادهم، فقد طلب هولاكو من الخليفة العباسي أن يرسل له جيشًا ليساعده على التخلص من الطائفة الإسماعيلية ليقوم بإهلاك الجيش العباسي مما يسهل عليه الاستيلاء على بغداد، ولكن الخليفة العباسي امتنع عن ارسال الجيش.
بعد انتهاء هولاكو من السيطرة على الاسماعيلية قام بإرسال رسالة إلى الخليفة العباسي فيها عتاب وتهديد ووعيد، وطلب منه أن يقوم بتسليم بغداد، وبالطبع رفض الخليفة العباسي ذلك، كما طمع في مساعدة البلاد المجاورة له، إلا أن كل من حوله كان لديه من المشاكل ما يكفي كالمماليك في مصر والأيوبيين في بلاد الشام.
وتبادل الرسل في ارسال الرسائل بين الدولتين (المغول و الخلافة العباسية )، حتى غضب الزعيم المغولي غضبة شديدة لعدم استجابة العباسيين لرسله فبعث لهم بخطاب شديد اللهجة، ولما أحس الخليفة المستعصم بالخطر يحف به من كل ناحية، ولما أشار عليه وزيره العلقمي بان يبعث لهولاكو التحف والهدايا مع الاعتذار وجعل الخطبة والعملة بإسمه ولكن رفض مجاهد بن أيبك الداوتدار الصغير هذا الرأي، ومال إليه الخليفة العباسي واختاروا خيار المقاومة، ومن هنا بدأ الجيش المغولي بالتحرك نحو بغداد والوصول إليها عام 656 هـ و1258 م.
حصار بغداد من طرف المغول
أمر هولاكو الجيوش المغولية بأن تتحرك من بلاد الروم والموصل إلى بغداد وتحاصرها من الناحية الغربية، ثم يأتي جيش هولاكو من الناحية الشرقية، ويأتي القائد كيتوبوقا فيقود الجانب الأيسر إلى بغداد عن طريق لورستان وخوزستان، ثم ينطلق هولاكو بصحبة الأمير أرغون والخواجة نصير الدين الطوسي والوزير سيف الدين البينكجي وعلاء الدين عطاء الجويني من جهة أخرى، كما استمال هولاكو الكثير من سكان الأطراف بالأموال وضم الكثير من جنود سليمان شاه، فيما يوضح ظهور عناصر الخيانة ودورها في تحقيق المغول لأهدافهم، فقد قام بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل والأتابك مظهر الدين صاحب إقليم فارس بإمداد هولاكو بالمال والجنود.
استكمل هولاكو حشد جيوشه حول بغداد، وكان الخليفة العباسي قد أعد جيشًا بقيادة مجاهد الدين أيبك، وبدأت معركة غير متكافئة انهزم بها الجيش العباسي هزيمة نكراء، وقتل عدد كبير من الجنود بالجيش العباسي، حتى احكم هولاكو حصار بغداد واستمر في حصاره لمدة شهر كامل كان المغول يقومون خلاله بالتخريب ومحاولات الدخول إلى بغداد، حتى استولوا على الجانب الشرقي من أسوارها، وهنا أصاب الخوف الخليفة العباسي وقرر إرسال الهدايا الثمينة إلى هولاكو إلا أنه رفض الإستجابة.
لجأ الخليفة في ذلك الوقت إلى الوزير العلقمي والذي أشار عليه بأن يخرج لمقابلة هولاكو ليتفاوض معه، فأرسلوا الرسل إلى هولاكو ليعلموه بذلك، وقد كان هولاكو أدهى وأذكى من ذلك فقد قرر بأن يقوم بمهاجمة بغداد بعد أن يخرج مدافعيها خارجها، وهنا اشترط علي الخليفة بأن لا يأتي لمقابلته وحده بل يجمع معه كبار رجال دولته ووزرائه وفقهاء المدينة والعلماء وكبار أعيان الناس، وبعض السكان والجند، وعند قدوم هذا الجمع الكبير أمر هولاكو بقتلهم جميعًا ماعدا الخليفة فقد أجل قتله إلى بعد حين، وهنا وقع سقوط بغداد وأصدر هولاكو بعض الأوامر:
- أن يقوم الخليفة بإصدار قرارا لأهل بغداد بإلقاء السلاح، والتسليم للمغول.
- أسر عائلة الخليفة العباسي وقتل ولديه.
- خروج العلماء من بغداد مع عائلاتهم ونسائهم ليتم قتلهم وسبي نسائهم، وذبح الشيوخ والأئمة وحفظة القرآن أمثال محي الدين يوسف بن الشيخ بن الفرج بن الجوزي وأولاده الثلاثة، والقائد مجاهد الدين أيبك.
تدمير بغداد من طرف المغول
سقوط بغداد جعل المغول يستبيحونها بعد دخولها وقتلوا الخليفة المستعصم بالله، فقاموا بتخريب المساجد والقصور، كما كانوا يسرقون ما بها من تحف نادرة، واستباحوا دم الجميع، حتى قيل في كتب التاريخ أنهم قاموا بقتل 800 ألف شخص، بما فيهم كبار السن والأطفال والنساء، واستمرت تلك الغارة حوالي أربعين يوما، اشتعلت فيها النيران ببغداد من كل ناحية ودمرت تدميرًا شنيعًا.
قام المغول بإلقاء كل كتب مكتبة بغداد العريقة في نهر دجلة حتى تحول لون الماء إلى اللون الأسود من أثر الحبر، وحتى قيل أن جنود المغول كانوا يستطيعون عبور النهر بالمرور على الكتب.
تبقى الإشارة إلى أن المغول سينهزمون على يد المماليك في معركة عين جالوت سنة 1260م، ليكون ذلك بداية انهيار امبراطوريتهم.
المصادر
كتاب تاريخ الدولة العباسية/ محمد سهيل طقوش
المغول(التتار) بين الإنتشار والإنكسار/ على الصلابي